كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



تنبيهات:
الأول: روى ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير، عن عدّي بن حاتم وزيد بن مهلهل الطائيّيْن. سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: «يا رسول الله! قد حرم الله الميتة فماذا يحل لنا منها»؟ فنزلت: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ}؛ قال سعيد: يعني الذبائح الحلال الطيبة لهم؛ وقال مقاتل: ما أحل لهم من كل شيء أن يصيبوه، وهو الحلال من الرزق. وقد سئل الزهريّ عن شرب البول للتداوي؟ فقال: ليس هو من الطيبات، رواه ابن أبي حاتم.
وقال ابن وهب: سئل مالك عن بيع الطين الذي يأكله الناس؟ فقال ليس هو من الطيبات. وروى ابن أبي حاتم في سبب نزولها أثرًا آخر، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب فقتلت، فجاء الناس فقالوا: يا رسول الله! ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها، فسكت. فأنزل الله: {يَسْأَلُونَكَ} الآية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أرسل الرجل كلبه وسمى فأمسك عليه، فليأكل مما لم يأكل».
وعند ابن جرير عن أبي رافع قال: «جاء جبريل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ليستأذن عليه، فأذن له فقال: قد أذنّا لك يا رسول الله! قال: أجل. ولكنالآندخل بيتًا فيه كلب. قال أبو رافع: فأمرني أن أقتل كلّ كلب بالمدينة. حتى انتهيت إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها فتركته رحمة لها. ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته. فأمرني فرجعت إلى الكلب فقتلته، فجاءوا فقالوا: يا رسول الله! ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فأنزل الله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ}». رواه الحاكم في «مستدركه» وقال: صحيح ولم يخرجاه.
وروى ابن جرير أيضًا عن عِكْرِمَة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع في قتل الكلاب حتى بلغ العوالي. فجاء عاصم بن عدي وسعيد بن خيثمة وعويمر بن ساعدة فقالوا: ماذا أحل لنا يا رسول الله»؟ فنزلت الآية: رواه الحاكم أيضًا عن عِكْرِمَة. وكذا قال محمد بن كعب القرظي في سبب نزولها: أنه في قتل الكلاب- أفاده ابن كثير.
قال بعض المفسرين: لما نزلت الآية، أذن صلى الله عليه وسلم في اقتناء الكلاب التي ينتفع بها، ونهى عن إمساك مالآنفع فيه منها. وأمر بقتل العقور وما يضر. انتهى.
أقول: روى الإمام أحمد ومسلم عن جابر قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب. حتى أن امرأة تقدم من البادية بكلبها فتقتله، ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلها وقال: عليكم بالأسود البهيم ذي النقطين فإنه شيطان».
وروى الشيخان عن ابن عمر: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب، إلا كلب صيدٍ أو كلب غنم أو ماشية».
وعن عبد الله بن المغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لولا أنَّ الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها كلها. فاقتلوا منها كل أسود بهيم». رواه أبو داود والدارمي، وزاد الترمذي والنسائي: «وما من أهل بيت يرتبطون كلبًا إلاَّ نقص من عملهم كل يوم قيراط. إلاَّ كلب صيد أو كلب حرث أو كلب غنم». وظاهر هذه الأحاديث، أنه صلى الله عليه وسلم كان أمر بقتلها كلها. ثم رخص في استبقائها. إلاَّ الأسود فإنه مستحق القتل.
وقول إمام الحرمين: ثم استقر الشرع على النهي عن قتل جميع الكلاب حيث لا ضرر فيها حتى الأسود البهيم- يحتاج إلى برهان.
قال ابن عبد البر: في هذه الأحاديث إباحة اتخاذ الكلب للصيد والماشية.
وكذلك للزرع. لأنها زيادة حافظ. وكراهة اتخاذها لغير ذلك. إلا أنه يدخل في معنى الصيد وغيره مما ذكر، اتخاذها لجلب المنافع ودفع المضارّ قياسًا، فمحض كراهة اتخاذها لغير حاجة، لما فيه من ترويع الناس، وامتناع دخول الملائكة إلى البيت الذي الكلاب فيه.
ثم قال: ووجه الحديث عندي؛ أن المعاني المتعبد بها في الكلاب من غسل الإناء سبعًا، لا يكاد يقوم بها المكلف ولا يتحفظ منها، فربما دخل عليه باتخاذها ما ينقص أجره من ذلك.
وروي أن المنصور بالله سأل عَمْرو بن عبيد عن سبب هذا الحديث؟ فلم يعرفه. فقال المنصور: لأنه ينبح الضيف ويروّع السائل. انتهى.
وقال الخطابي: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن الكلاب أمة من الأمم... الخ». أنه صلى الله عليه وسلم كره إفناء أمة من الأمم وإعدام جيل من الخلق، لأنه ما من خلق لله تعالى إلاَّ وفيه نوع من الحكمة وضرب من المصلحة. يقول: إذا كان الأمر على هذا، ولا سبيل إلى قتلهن، فاقتلوا أشرارهن وهي السود البهُم. وأبقوا ما سواها لتنتفعوا بهن في الحراسة.
وقال الطيبي: قوله: «أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ» إشارة إلى قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام: 38]. أي: أمثالكم في كونها دالة على الصانع ومسبحة له. قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44]. أي: يسبح بلسان القال أو الحال. حيث يدل على الصانع وعلى قدرتة وحكمته وتنزيهه عمّا لا يجوز عليه، فبالنظر إلى هذا المعنى، لا يجوز التعرض لها بالقتل والإفناء. ولكن إذا كان لدفع مضرةٍ- كقتل الفواسق الخمس- أو جلب منفعةٍ- كذبح الحيوانات المأكولة- جاز ذلك.
الثاني: ذهب جمهور الصحابة والتابعين والأئمة إلى أنّ الجوارح التي يحل صيدها، ما قَبِلَ التعليم من ذي ناب كالكلب والفهد والنمر، أو ذي مخلب كالطيور المذكورة قبل. قال في «النهاية»: حتى الهرّ إن تعلّم، واحتجوا بعموم الآية.
وروى أحمد وأبو داود عن مجالد عن الشعبيّ عن عدي بن حاتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما علمت من كلب أو بازٍ ثم أرسلته وذكرت اسم الله عليه، فكل ما أمسك عليك. قلت: وإن قتل؟ قال: وإن قتل ولم يأكل منه شيئًا. فإنه أمسكه عليك».
قال البيهقي: تفرد مجالد بذكر الباز فيه، وخالف الحافظ.
أقول: روى ابن جرير بالمسند المذكور إلى عدي قال: «سألت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي؟ فقال: ما أمسك عليك فكل». وعن ابن عمر ومجاهد: «لا يحل إلاَّ صيد الكلب فقط». وروى ابن جرير بسنده، أن ابن عمر قال: أما ما صاد من الطير (والبراة من الطير) فما أدركت فهو لك. وإلاَّ فلا تطعمه وقال ابن أبي حاتم: كره مجاهد صيد الطير كلَّه، وقرأ قوله: {وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ}. أي: فإن قوله تعالى: {مُكَلِّبِينَ} يشير إلى قصر ذلك على الكلب. وقال الحسن البصري والنخعي وأحمد وإسحاق: يحل من كل شيء إلا الكلب الأسود البهيم. لأنه قد أمر بقتله.
الثالث: قدمنا أن انتصاب: {مُكَلِّبِينَ} على الحال من: {عَلَّمْتُم}. قال ابن كثير: ويحتمل أن يكون حالًا من المفعول وهو (الجوارح) أي: وما علمتم من الجوارح في حال كونهن مكلبات للصيد. وذلك أن تصيد بمخالبها وأظفارها.
فيستدل بذلك، والحالة هذه، على أن الجارح إذا قتل الصيد بصدمته وبمخالبه وظفره، أنه يحل. كما هو أحد قول الشافعي وطائفة من العلماء. ولهذا قال: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ} وهو أنه إذا أرسله استرسل، وإذا استشلاه استُشْلِيَ، وإذا أخذ الصيد أمسكه على صاحبه حتى يجيء إليه، ولا يمسكه لنفسه. ولهذا قال تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ}. فمتى كان الجارح معلّمًا وأمسك على صاحبه- وكان قد ذكر اسم الله عليه وقت إرساله- حلّ الصيد وإن قتله، بالإجماع.
وقد وردت السنة بمثل ما دلت عليه هذه الآية الكريمة. كما ثبت في «الصحيحين» عن عديّ بن حاتم قال: قلت: «يا رسول الله! إني أرسل الكلاب المعلَّمة وأذكر اسم الله؟ فقال: إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله، فكل ما أمسك عليك. قلت: وإن قتلن؟ قال: وإن قتلن، ما لم يشركها كلب ليس منها. فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسمّ على غيره. قلت له: فإني أرمي بالمعراض الصيد؟ فقال: إذا رميت بالمعراض الصيد فخرق فكله فإن أصابه بعرض، فإنه وقيذ، فلا تأكله».
وفي لفظ لهما: «إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله. فإن أمسك عليك فأدركته حيًّا. فاذبحه، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه، فكله وإنّ أخذ الكلب ذكاته». وفي رواية لها: «فإن أكل فلا تأكله. فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه». فهذا دليل للجمهور أنه إذا أكل الكلب من الصيد يحرم مطلقًا. ولم يستفصلوا. كما ورد بذلك الحديث. وحكي عن طائفة من السلف أنهم قالوا: لا يحرم مطلقًا. أَكَلَ أو لم يأكل.
روى ابن جرير عن سلمان الفارسي وأبي هريرة قالا: كُلْ وإن أكل ثلثيه. وعن سعد بن أبي وقاص: «وإن أكل ثلثيه». وعنه: «وإن لم يبق إلا بضعة». وعن ابن عمر: إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك. أكل أو لم يأكل. وحكاه عن عليّ وابن عباس وغير واحد من التابعين.
وروي ذلك مرفوعًا أيضًا. أخرج أبو داود عن عَمْرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابيًا، يقال له أبو ثعلبة، قال: «يا رسول الله! إنّ لي كلابًا مكلبة فأفتني في صيدها. قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: إن كان لك كلاب مكلبة، فكل مما أمسكن عليك. فقال: ذكيّ وغير ذكي، وإن أكل منه؟ قال: نعم وإن أكل منه. فقال: يا رسول الله! أفتني في قوسي! فقال: كلّ ما ردت عليك قوسك. قال: ذكي وغير ذكي؟ قال: وإن تغيب عنك ما لم يَضِلّ أو تجد فيه أثرًا غير سهمك. قال: أفتني في آنية المجوس إذا اضطررنا إليها. قال: اغسلها وكُلْ فيها». هكذا رواه أبو داود وقد أخرجه النسائي. وكذا رواه أبو داود عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله، فكُلْ وإن أكل منه، وكُلْ ما ردت عليك يدك».
وقد احتج بما ذكرنا من لم يحرم الصيد بأكل الكلب وما أشبهه، وقد توسط آخرون فقالوا: إن أكل عقب ما أمسكه فإنه يحرم. لحديث عديّ، وللعلة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم. وأما إن أمسكه، ثم انتظر صاحبه، فطال عليه، وجاع فأكل منه لجوعه، فإنه لا يؤثر في التحريم. وحملوا على ذلك حديث أبي ثعلبة. وهذا تفريق حسن، وجمع بين الحديثين، صحيح.
وقد تمنى الأستاذ أبو المعالي الجويني في كتابه «النهاية»: أن لو فصل مفصل هذا التفصيل. وقد حقق الله أمنيته، وقال بهذا القول والتفريق طائفة من الأصحاب. أفاده ابن كثير.
قال الحافظ ابن حجر في «الفتح»: وسلك الناس في الجمع بين حديث عدي وأبي ثعلبة طرقًا منها للقائلين بالتحريم (الأولى) حبل حديث أبي ثعلبة الأعرابي على ما إذا قتله وخلاه ثم عاد فأكل منه، و(الثانية) الترجيح، فرواية عدي في الصحيحين ورواية الأعرابي في غيرهما. ومختلف في تضعيفها. وأيضًا، فرواية عدي صريحة مقرونة بالتعليل المناسب للتحريم. وهو خوف الإمساك على نفسه، متأيد بأن الأصل في الميتة التحريم. فإذا شككنا في السبب المبيح، رجعنا إلى الأصل ولظاهر الآية المذكورة. فإن مقتضاها أن الذي تمسكه من غير إرسال لا يباح، ويتقوى أيضًا بالشواهد من حديث ابن عباس عند أحمد: إذا أرسلت الكلب فأكل الصيد، فلا تأكل. فإنما أمسك على نفسه. فإذا أرسلته فقتله ولم يأكل، فكُلْ. فإنما أمسك على صاحبه. وأخرجه البزار من وجه آخر عن ابن عباس. وابن أبي شيبة من حديث أبى رافع، نحوه بمعناه. ولو كان مجرّد الإمساك كافيًا لما احتيج إلى زيادة (عليكم) في الآية. وأما القائلون بالإباحة، فحملوا حديث عدي على كراهة التنزيه، وحديث الأعرابي على بيان الجواز. قال بعضهم: ومناسبة ذلك أن عدّيًا كان موسرًا.
فاختير له الحمل على الأولى. بخلاف أبي ثعلبة، فإنه كان بعكسه. ولا يخفى ضعف هذا التمسك، مع التصريح بالتعليل في الحديث لخوف الإمساك على نفسه. وقد وقع في رواية لابن أبي شيبة: إن شرب من دمه فلا تأكل فإنه لم يُعْلَّمُ ما عَلَّمته. وفي هذا إشارة إلى أنه إذا شرع في أكله، دلَّ على أنه ليس يعلم التعليم المشروط.
الرابع: في الآية مشروعية التسمية. قال ابن كثير: قوله تعالى: {وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ} أي: عند إرساله له، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم: «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك». وفي حديث أبي ثعلبة المخرج في «الصحيحين» أيضًا: «إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله. وإذا رميت بسهمك». ولهذا اشترط من اشترط من الأئمة، كالإمام أحمد رحمه الله، في المشهور عنه، التسمية عند إرسال الكلب والرمي بالسهم لهذه الآية وهذا الحديث. وهذا القول المشهور عند الجمهور أن المراد بهذه الآية الأمر بالتسمية عند الإرسال. كما قال السدّي وغيره. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في هذه الآية: «إذا أرسلت جارحك فقل: بسم الله. وإن نسيت فلا حرج». انتهى.